مساحة إعلانية

الرئيسية / / الورع الكاذب

الورع الكاذب


ديننا دين عزة وكرامة وإخلاص وورع يقصد بهما وجه الله تعالى

وليس التظاهر أمام الناس وإدعاء المرء بما ليس فيه .

الورع ، الكاذب


رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا في السوق يحمل تمرة

وينادي عليها صارخا " لقد وجدت تمرة فمن صاحبها " ؟

ولما رأى عمر أنه يفعل ذلك تظاهراً بالورع , علاه بالدرة

وقال له : دعك من هذا الورع الكاذب !

فبعض الناس يدعي الورع وليس كذلك وبعضهم يدعي الصلاح وهو ليس من أهله ، قال تعالى :

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *

أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )[ سورة الكهف : 103-105 ]

فهو يريد أن يخدع الناس ويتشبه بما لا يعطى وهو بذلك كمن يلبث ثوبي زور

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ  قَالَ :

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِهِ


فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِيهِ ، فَلْيُثْنِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ 

وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ ، فَكَأَنَّمَا لَبِسَ ثَوْبَىْ زُورٍ. " أخرجه البُخَارِي  في ( الأدب المفرد ) 215 .

وجاء رجل من أهل العراق إلى ابن عمر وقت الحج يسأله عن بعوضة قتلها ، فهل عليه دم أم لا ؟!

فقال ابن عمر :

سبحان الله ، يا أهل العراق تقتلون ابن رسول الله ( أي الحسين بن علي ) وتسألون عن دم البعوض !

ويروي أن عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل متماوت فقالت : ما هذا ، فقالوا : أحد الفقراء

فقالت قد كان عمر رضي الله عنه قارئا فكان إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع .

قال ويروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا مظهرا للنسك متماوتا فخفقه بالدرة

وقال لا تمت علينا ديننا أماتك الله , وفي رواية : ارْفَعْ رأسَك فإن الإسلام ليس بِمَريِض .

وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي الدرداء ، قال:

أستعيذ بالله من خشوع النفاق. قال : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع .

وقال سفيان الثوري :

سيأتي أقوام يخشعون رياء وسمعة وهم كالذئاب الضواري غايتهم الدنيا وجمع الدراهم من الحلال والحرام.

( راجع : السيوطي : الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ص 20 )

وجاء رجل زنى بامرأة إلى أحمد بن حنبل يسأله عن ابنه من الزنا ، فقال له : لماذا لم تعزل

فقال الرجل : بلغني أن العزل مكروه ، فقال أحمد : أو لم يبلغك أن الزنا حرام ؟!

فالورع الكاذب يجعل المرء يسأل فيما لا يعنيه كل ذلك رياءً وسمعة وتظاهراً .

قال أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة ( ص91 ) :

أخبرني الحسن بن محمد بن عبدويه قال : أخبرني بعض أهل العلم قال :

كان يختلف معنا رجل إلى أبي ثور وكان ذا سمت وخشوع فكان أبو ثور إذا رآه جمع نفسه وضم أطرافه وقيد كلامه

فغاب عن مجلسه مدة ، فتعرف خبره ، فلم يوقف له على أثر ، ثم عاد إلى المجلس بعد مدة طويلة وقد نحل جسمه

وشحب لونه ، وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها فما كاد يتبينه أبو ثور ثم تأمله

فقال له : ألست صاحبنا الذي كنت تأتينا ؟

قال : بلى

قال : فما الذي قطعك عنا ؟

فقال : قد رزقني الله سبحانه الإنابة إليه وحبب إلى الخلوة وأنست بالوحدة واشتغلت بالعبادة

قال له : فما بال عينك هذه ؟

قال : نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة وبلاء قد ذمها الله تعالى إلينا وعابها وذم ما فيها

فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها ورأيتني وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا

فغمضت واحدة ، وتركت الأخرى .

فقال له أبو ثور : ومنذ كم هذه الشمعة على عينك ؟

قال : منذ شهرين ، أو نحوهما !

قال أبو ثور : يا هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين ، وطهارة شهرين !

انظروا إلى هذا البائس قد خدعه ا لشيطان فاختلسه من بين أهل العلم ثم وكل به من يحفظه ويتعهده ويلقنه العلم .

قال أبو سليمان : فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء وهي من أضر شيء على الجهال

وقد روينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة: تفقه ثم اعتزل .

بل قد يجعله هذا الورع الكاذب يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة البعد عن الشهرة .

قال الحسن البصري لمطِّرف بن عبد الله رحمهما الله : عظ أصحابك

فقال : إني أخاف أن أقول ما لا أفعل

قال : يرحمك الله ! وأينا يفعل ما يقول ؟!

ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا ، فلم يأمر أحد بمعروف ، ولم ينه عن منكر .


ولله در مالك عندما عابه العمري الزاهد باشتغاله بنشر العلم واجتماعه بالناس

وحثه على العزلة ولم يستجب له ، فرد عليه مالك :

( إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ، ولم يفتح له في الصوم

وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الجهاد ، فنشر العلم من أفضل أعمال البر

وقد رضيت بما فتح لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر )

وقال الإمام أبو محمد عبد الرحمن أبي حاتم الرازي في كتابه في فضائل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى

سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك رأيت عليه نعلا لا تشبه نعل القراء

له رأس كبير معقف وشراكة مسبل كأنه اشترى له من السوق ورأيت عليه إزارا وجبه بر مخططة من أثمار جوز

قال عبد الرحمن أراد بهذا والله أعلم ترك التزي بزي القراء وإزالته عن نفسه ما يشتهر به .

قال عليّ بن الفضيل بن عياض رحمه الله : يا أبتِ ، ما أحلى كلامَ أصحابِ محمد !

قال : " يا بنيّ ، أو َتَدري لِم حَلاَ ؟ "

قال: لا يا أبت

قال : " لأنّهم أرادوا به اللهَ تبارك وتعالى "

قال أبو نواس :

وإذا نزعت عن الغواية فليكن * * * لله ذاك النزع لا للناس

وقال لقمان لابنه :

اتق الله ولا تري الناس أنك تخشاه ليكرموك وكان الناس يراؤون بما يفعلون فصاروا يراؤون بما لا يفعلون.

وقيل : ما الدخان بأدل على النار من ظاهر أمر الرجل على باطنه .

ويقال : إن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاة

فقال عمر : ذلك للتصنع !

فقال له العلاء : أنا آتيك بخبره . فجاءه وهو يصلي

فقال له : ما لي عندك أن بعثت أمير المؤمنين على توليتك العراق؟

قال : عمالتي سنة ، وكان مبلغه عشرين ألف درهم

فقال: اكتب به خطك ، فكتب إليه

فجاء العلاء إلى عمر فأخبره فقال : أراد أن يغرنا بالله فكدنا أن نغتر !

قال أحدهم :

إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا * * * ولكن حسن القول خالفه الفعل

وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها * * * أفاويق حتى ما يدر لها رسل

وصلى رجل بحضرة الشعبي فأطال ، فقال الشعبي : ما أحسن صلاته !

فلما سلم الرجل قال : وأنا مع هذا صائم !

وقال ذو اليمينين لأبي بكر المروزي : مذ كم صرت إلى العراق ؟

قال : مذ عشرين سنة وأنا أصوم مذ ثلاثين سنة .  ( الراغب الأصفهاني : محاضرات الأدباء 1/499)

وهذا النوع من الورع الكاذب هو نوع من التدين المغشوش الذي فيه دخن

عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ :

كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي 

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟

قَالَ : نَعَمْ , فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ

قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ

قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟

قَالَ : قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي , وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ

فَقُلْتُ : هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟

قَالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا 

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , صِفْهُمْ لَنَا 

قَالَ : نَعَمْ ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ , فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟

قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ 

فَقُلْتُ : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ ؟

قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.

( أخرجه البُخَارِي ( 4/242 ( 3606 ) ) ومسلم ( 6/20 ( 4812 ) ) و ابن ماجة ( 3979 )

فديننا دين عزة وكرامة وإخلاص وورع يقصد بهما وجه الله تعالى

وليس التظاهر أمام الناس وإدعاء المرء بما ليس فيه

فراقب نيتك دائما وصححها واجعل أعمالك خالصة لله رب العالمين .

رزقنا الله وإياكم الإخلاص في السر والعلانية وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاه


شارك المقال

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ المنهاج الدعوية 2012 ©