نظرت الى بعض المناظر الطبيعية المشتملة على الحدائق الزاهرة ، والسماء الصافية ، وشلالات المياه المتدفقة
وقلت فى نفسى اذا كانت هذة الدنيا الفانية فكيف بالجنة العالية الغالية ؟! ثم كم يساوى الخلود فى الجنة ؟!
والعمر قصير و الآخرة نعيم مقيم و جنة عالية قطوفها دانية
وصفها شيخ الإسلام وحادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فقال :-
وكيف يقدر قدر دار خلقها الله بيده وجعلها مقراّ لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته و رضوانه
ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، وملكها بالملك الكبير ، وأودعها الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص
فإن سألت عن أرضها وتربتها فهى المسك والزعفران
وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن
وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر
وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر
وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب
وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب أو فضة ، لا من الحطب والخشب
وإن سألت عن ثمارها فأمثال القلال ، ألين من الزبد ، وأحلى من العسل
وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحُلل
وإن سألت عن أنهارها ، فأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
قال الله عز وجل :
( أعددت لعبادى الصالحين مالا عينّ رأت ولا أذنّ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )
قال أبو هريرة فاقرأوا إن شئتم :
( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( السجدة : 17 )
جنة هذة صفاتها كم يقدر ثمنها .
قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل احد منكم الجنة بعمله )
فمهما كان عمل العبد وبذله فى سبيل الله عز وجل فإنه لايساوى بحال من الاحوال جنة الله عز وجل
قيل للنبى صلى الله عليه و سلم : ولا أنت يا رسول الله ؟
قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته )
فكل أعمال الأمة فى ميزان نبيها صلى الله عليه وسلم لأن من دعا إلى هدى فله مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا بالإضافة إلى ثواب أعماله التى هى أكمل الأعمال ، وأخلصها للكبير المتعال .
ومع ذلك لا يساوى ذلك الخلود فى جنة الله عز وجل !
فلا بد من الاحتياج إلى عفو الله عز وجل ورحمته فينجون من النار بالعفو ، ويدخلون الجنة بالرحمة
ويتقاسمون الدرجات بأعمالهم ، ومن تأمل هذا المعنى وتدبر هذة الخاطرة فإنه يستصغر بذله وجهده
كلما تذكر جنة الله عز وجل ، ويعلم أنه مهما وفق للطاعات ، والاستجابة لرب الأرض و السماوات
فإنه لا يزال فقيراً إلى رحمة الله وعمله على كل حال لا يساوى جنة الله عز وجل
وإن كان سبباً من أسباب دخول الجنة كما قال تعالى :
( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الاعراف : 43 )
وقال تعالى : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) ( الحاقة : 24 )
فالباء فى الآيتين باء السبب أما فى قوله صلى الله عليه وسلم ( لن يدخل احد منكم الجنة بعمله )
فهى باء العوض و المقابلة ، التى يتساوى ما قبلها وما بعدها
كما نقول : بعنى سيارتك بكذا فهذة باء العوض و المقابلة
ولو حاسب الله عز وجل العباد على نعمه عليهم ، فتبقى بقية النعم بلا وفاء ، بالإضافة إلى الذنوب والمظلم .
ولذلك يقولون : إذا جاء فضله لم يبق لاحدٍ سيئة .
فالله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ، ولكنه إذا عامل العباد بعدله هلك العباد
كما فى قوله صلى الله عليه وسلم (من نُوقش الحساب عُذب )
وفى رواية : ( من نُوقش الحساب هلك )
قال النووى : ومعنى " نوقش " استقصى عليه .
وقوله " عُذب " له معنيان : أحدهما نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ
والثانى : أنه مفض إلى العذاب بالنار ، ويؤيده فى الرواية الأخرى ( هلك ) مكان ( عُذب )
وهذا الثانى هو الصحيح ، ومعناه أن التقصير غالب فى العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار
ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء .
-------------------------------------------------
كتبه / الشيخ الدكتور أحمد فريد
ليست هناك تعليقات