معتقل الفيوم الصحراوي عام 1996 ، تقرير لأمن الدولة يرصد الحالة النفسية المرتفعة للمعتقلين
وبناء على التقرير تصدر أمن الدولة قرارات صارمة بالتالي :
1- مصادرة جميع المصاحف من المعتقلين
ومنع دخول أية مصاحف لهم - فضلا عن الكتب الممنوعة مسبقا بما فيها الكتب الدراسية -
2- منع دخول أي ملابس أو أغطية للمعتقلين خلاف الخاصة بالسجون والمعروفة برداءتها الشديدة
ومصادرة جميع الملابس الموجودة لديهم
3-اختصار وقت زيارة الاهل إلى أقل من خمس دقائق
4- مصادرة محتويات زيارات الأهل بما تحمله من اطعمة ومشروبات وملابس وخلافه
باستثناء وجبة واحدة يتم اعطائها للمعتقل في كفيه بدون أية اكياس أو اطباق
5- مصادرة جميع المصابيح الكهربائية من الزنازين وإبقائها مظلمة تماماً بدون مصدر للإضاءة
بعد هذه الاجراءات بأسابيع قليلة ...
شاويش يجد ورقة مكتوب فيها بعد الاشعار التي تحث على الصبر والثبات فيقدمها لضابط أمن الدولة
الذي قام بإبلاغ إدارة الجهاز على الفور
وفي صباح اليوم التالي ...
تقوم مصلحة السجون وجهاز امن الدولة بحملة تأديبية على معتقل الفيوم الذي يضم قرابة الـ 20 ألف معتقل اسلامي
وقتها كنت حديث الاعتقال ..
حين أيقظني أحد الإخوة وهو يقول : " تفتيش يا أخي .. ربنا يستر "
نظرت حولي فوجدت الجميع في حالة من الارتباك والحركة السريعة ...
هذا يخفي ملزمة ورقية صغيرها تحتوي بعض أجزاء من القران الكريم ..
والأخر يقوم بغسل الحائط من بعض الأيات التي كتبها على الحائط عن من يحفظها حتى يستطيع هو حفظها ...
وثالث يخفي شفرة حلاقة مهربة نستخدمها جميعا للنظافة الشخصية ..
ورابع استقبل القبلة ورفع يديه للسماء يطلب الرحمة من الله تعالى .
لم اكن ادرك سر هذا القلق والذعر حتى ُفتح باب العنبر الذي يضم 18 زنزانة ...
كان أول ما سمعته صوت كلاب تنبح بشراسة ..
ثم بدء العساكر يطرقون أبواب الزنازين بعصيانهم بقوة لإحداث حالة من الرعب في قلوب المعتقلين المفزوعين أصلا
كان العساكر يسبون ويتوعدون ويهددون وكأنهم على أبواب معركة كبري
قام أحد الضباط بالمرور على جميع الزنازين لإلقاء التعليمات ، كانت ثلاث كلمات يكررها امام كل زنزانة :
1- الكل يخلع ملابسه تماما باستثناء " الشورت " الداخلى
2- كله يعصب عينيه عينه جيدا
3- كله يقف ووجهه للحائط في الجهة المقابلة للباب
ثم فتحت أول زنزانة في العنبر سمعت الضابط يصرخ :
كله يطلع بره ..بره بره يا ابن كذا وكذا انت وهو ..
بعد هذه الجملة بثواني أنفجرت صرخات جماعية رهيبة لم أسمعها من قبل
ارتفعت صرخات المعتقلين فشقت عنان السماء واختلط معها نباح الكلاب وصوت الصواعق الكهربائية
وكانت لسعات العصيّ أكبر من أن تختفي وسط هذا المزيج المرعب
نظرت في وجوه إخواني في الزنزانة فوجدتها مرسومة بالرعب والفزع ... الالسنة كلها تلهث بالدعاء
كان قلبي يخفق بسرعة غريبة .. احاول السيطرة على أعصابي فأفشل ..
شعرت بألم حاد في معدتي .. وقفت أمام دورة المياه في طابور من خمسة معتقلين
شعروا بسوء حالتي وصغر سني وقتها فأدخلوني في الحمام حاولت أن أسيطر على نفسي وأن أتنفس بعمق
أن أصم اذني عن هذه الاصوات القاتلة التي تزلزل قلوبنا منذ أكثر من نصف ساعة متواصلة
اختفت الاصوات فجأة .. خمس دقائق .. ولد في قلبي أمل أن يكون الطغاة قد رحلوا ...
ثم بدء نفس الصوت الوحشي يصرخ من بعيد .. كله يطلع بره ..بره يا ولاد كذا.. وبدء الصراخ يعلوا من جديد ..
عرفت وقتها أن الصراخ الاول خاص بأهل الزنزانة الاولى فقط .. والثاني بأهل الزنزانة الثانية وهكذا ...
كل زنزانة تفتح بمفردها ..
يخرج منها قرابة العشرين معتقل فتنهال العساكر والكلاب والضباط والمخبرين عليهم ضربا وصعقا
وحرقاً بالسجائر ونهشا من الكلاب لمدة تتراوح بين 30 أو 40 دقيقة كاملة ثم يسحبون ويلقون في الزنزانة
التي لم يعد فيها شيء سوى الارضية الخراسانية الغارقة في الزيت والصابون وبقايا الطعام والملابس
ساعات طويلة وثقيلة مرت وأنا أقف على قدمي معصوب العينان ومجرداً من ملابسي ووجهي للحائط
بانتظار دوري في السلخانة البشرية ، كان الهول أكبر من الشعور بالتعب ، كان الهول أكبر من الشعور بالعري
كان الهول أكبر من الشعور بالجوع والعطش .. كان الهول أكبر من الحياة نفسها ...
وسبحان الله في وسط هذا الهول المستعر كنت أجد كفاً حانية تربط على كتفي قائلة :
" اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "
كان الجميع يعلم أني أصغرهم سنا .. وأحدثهم سجناً
وهذه أول مرة أتعرض فيها لمثل هذا الموقف الذي تكرر عليهم عشرات المرات من قبل .
بدء الصراخ يقترب شيئا فشيئا وأدركت أني على بعد ساعة واحدة فقط من الدخول في هذه التجربة القاسية المفزعة
كشفت العصابة عن عيني وقلت ولاخواني ..كيف نستسلم لهذا ؟
أنتركهم يقتلوننا بهذه الوحشية دون أن نقاوم ..
اذا كنا سنتعذب وسنجلد فلماذا لا نشتبك معهم فنضرب ونضرب ؟!
أنتركهم يقتلوننا بهذه الوحشية دون أن نقاوم ..
اذا كنا سنتعذب وسنجلد فلماذا لا نشتبك معهم فنضرب ونضرب ؟!
أثارت هذه الكلمات استيائهم بشدة ..
قال أحدهم : يا أخي لو فعلنا هذا سنقتل وسيقتل كل من في المعتقل
وأردف أخر : يا اخي حاول الاخوة في سجن الوادي الجديد المقاومة فقتل منهم اكثر من سبعين اخ
بص يا أخي أنت لما كنت في الابتدائية مفيش مرة كسلت تعمل الواجب
ورحت تاني يوم المدرسة وانت عارف ان الاستاذ هيضربك ..
قلت له : حصلت كتير
قال لي :
أعتبر الي هيحصل كمان شوية حاجة زي كده
بس الفرق اننا هنضرب عشان عملنا الواجب ، وعلقة تفوت ولا حد يموت ...
لم اكن اصدق أني استطيع الضحك في مثل هذا الموقف لكني بالفعل ضحكت وضحك الناس حولي
حقيقة كانت ضحكاتهم مريرة تشبه البكاء ..بدء الكل يبتسم في وجه الاخر ابتسامة متكلفة
تحاول جاهدة اضفاء الطمأنينة وإخفاء الفزع الذي يغلى في الصدور
انتقل الصراخ إلى الزنزانة المجاورة تماما لنا .. كان اشد فزعا ورعبا وقسوة مما سمعناه من قبل ...
الكل انهمك في الدعاء والذكر .. خالجني شعور حزين اني ساخرج من الزنزانة ولن اعود اليها
بل ساموت تحت وطاة التعذيب ، تذكرت أبي وأمي وطفرت دمعتي أني سأموت غريباً حبيساً
وسأسلم لأبي جثة هامدة تدفن تحت جنح الليل وسط حراسة مشددة كما هي العادة
ولن تستطيع أمي وقتها حتى أن تقبل جبين جثتي الباردة أو حتى تراها لان العسكر سيمنعونها
أغلق باب الزنزانة المجاور لنا وساد الصمت كثيفا وثقيلا على الجميع
كنت أسمع دقات قلبي وأشعر به يقفز من صدرى فزعا ، سمعت قرع نعال الطغاة يقترب منا
وفجاة صرخ الصوت الوحشي في زنزانتنا .. شد الغماية على عنيك يا ابن كذا انت وهو ...
كان السباب فاحشا وقاسيا يؤلمني أكثر من صراخ المعتقلين المعذبين
رددت في نفسي بل " أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ "
فتح باب الزنزانة وصرخ الصوت القاتل مرة أخرى بره يا ابن كذا بره .. بره ..
وضع كل منا يده على كتف أخيه وخرجنا في طابور واحد
بمجرد أقترابي من باب الزنزانة هوت على ظهري عصى فشعرت أنها شقته نصفيين ..
توقفت لبرهة مشلولا من الالم فدفعني أحد الاخوة أمامه وقفنا جميعا أمام الزنزانة
وجهنا للحائط وظهورنا للجنود الذين الهبوها ضربا بالسياط والعصيّ .
كان الجنود يصرخون كسكاري في حلبة قتال و كانت السياط تنهال على ظهورنا تزاحمها العصّي
والصواعق الكهربائية وإعقاب السجائر المشتعلة ..فقدت الشعور بالزمن والواقع وبكل شيء باستثناء الالم الرهيب
كان العسكري يهوي على رأسي بعصى غليظة وهو يصرخ قائلا : نظم ..
لم افهم المراد فظل يهوي بقسوة على ظهري وهو يصرخ بنفس الكلمة المبهمة
اقترب جندي اخر مني وسألني : أنت لسه جديد ؟
قلت : ايوه
قال : طيب ارفع ايدك لفوق واجري في المحل وانت واقف
كان هذه هي الحركة الاشهر في المعتقلات والتنظيم هو أن يقف المعتقل ووجهه للحائط وعيناه معصوبة
يرفع يده لاعلى ويحرك قديمه بسرعة كأنه يجري بينما تهوى الصواعق الكهربائة والعصى الخشبية
والمطاطية واعقاب السجائر ومخالب وانياب الكلاب البوليسية على ظهره ..
ولم يكن هذا هو كل العذاب
كان هناك شاويش يمسك كلبا ضخماً ويمر به علينا فرداً فردًا يسأل المعتقل : أسمك ايه ..
فيجيب المعتقل باسمه ..
فيرد الشاويش لأ ... أنت اسمك " العاهرة " فيفي عبده ..ها ..اسمك ايه ؟
ثم يغمز الكلب فيقفز على ظهر المعتقل بمخالبه الحادة ولا يتركه حتى ينطق بما يريد
صعقت من الموقف لم اصدق اذني أن هذا يحدث ..
صرخ أحد الشباب بجواري مباشرة والكلب ينهش ظهره .. أسمي محمــــــــــــد ... أسمى محمـــــــــد ..
كان الشاويش يقسو عليه وهو يجيب : محمـــــــــــــــد إن شاء الله ... محمــــــــــــــد أن شاء الله .
كان يبكي بحرقة وهو ينطق باسمه ويقدم المشيئة استعانة بالله و رجاءً أن يثبت قلبه
كان الشاويش ميت القلب يصرخ فيه كل مرة : اسمك " العاهرة " ليلي علوي يا ابن الزانية ...
بكيت وأجهشت في البكاء لحال أخي ... كان العسكر قد تحلقوا علي هذا المعتقل بكل ما يملكون ..
وهو يصرخ تحت أيديهم وأرجلهم وعصيهم وكلابهم ..
محمــــــــــــــــــد إن شاء الله .. محمـــــــــــــــــــــد إن شاء الله .
وفجأة وجدتني تلقائيا أصرخ بأعلى صوتي ...
يا رحمـــــــــــــــــن يا رحمــــــــــــــــــــــــن ....يا رحمــــــــــــــــــــــن
كنت أصرخ رغما عني .. فزع الجنود واحسست بارتباكهم
أحدهم وضع الصاعق الكهربائي في ظهري وهو يصرخ " أسكت با أبن الكلب "
وسمعت الضابط يزعق هات الحلاق لأولاد الكلب دول ..
تقدم الشاويش بكلبه مني وقال : قول يا ابن كذا اسمك المومس فلانه - أسم ممثلة مشهورة بالعري والفاحشة -
كان لساني يصرخ رغماً عني يا رحمــــــــــــــــن يا رحمـــــــــــــــن ..يا رحمــــــــــــــــــــــــــــن
هوت على ظهرى عصيان عدة وأيدي شتى ولم استطع ان اوقف لساني عن الإستغاثة بالرحمن جلا وعلا
اقترب مني شخص وصفعني على ظهري بقوة وقال : اجلس
جلست وأنا اشعر بمكينة الحلاقة تأكل شعري وتقتلعه من المنتصف وترسم صليبا على راسي
مر الضابط خلفي بالصاعق الكهربائي وسألني عندك كام سنة .. قلت 18 سنة ..
قال مين الي بيأذن للصلاة في العنبر؟
أجبت معرفش ..صعقني في ظهري بقوة ثم مضي إلى باقي المعتقلين
غرقت بين رحى العذاب حتى أمسك جندي بيدي وقدمي والقاني داخل الزنزانة ثم اغلق الباب
رفعت العصابة عن عيني ونظرت فوجدت جميع إخواني ملقون على الارض الخراسانية
ودمائهم تنزف وجروحهم تثعب .. حلقوا لحاهم جميعا ورسموا صلبان على رؤوسهم
كانت الاجساد زرقاء ودامية وعارية ، مبللة بالعرق والدماء وبقايا الشعور المحلوقة ..
الجميع مطروحون على الارض بلا أدني قدرة على الحراك ..
لا يتحرك فيهم سوى السنتهم التي ما تزال تلهث بذكر الله ...
زحف أحد الاخوة إلى دورة المياه وجاء بجردل كبير مملوء بالمياه وألقاه علينا
وقال مازحا : " نعيماً يا رجاله "
انفجر الجميع بالضحك الهستيري .. علق أحدهم قائلا .. إلا قولي يا اخويا .. هو أنا كشفت ولا لسه ؟
نظر أخر أليّ وقال : عشان تبقه تعمل الواجب بعد كده ..
ضحكنا كما لم نضحك من قبل
وحين وضعت يدي على وجهي كنت احاول أن أتغلب على دمعتي الساخنة
لكنها أبت على الا أن تزرف رثاء على طلبة الجامعة وحفظة القرأن خيرة شباب مصر
وما يحدث لهم في معتقلات مبارك لأنهم فقط قالوا " ربي الله "
---------------------------------------------------------
مذكرات خالد حربي في معتقلات مبارك
خالد حربى : عضو المرصد الإسلامى لمقاومة التنصير وعضو التيار الإسلامى العام
جزاك الله خير
ردحذفwww.un4web.com
حذفوإياك ، جزاك الله خيراً أخى