من أحب أن يشتهر ويرتفع لم يُذكر ومن كره الشهرة والذكر فى الناس ذُكر .
وهذا كلام متين يشهد له الواقع بالاستقراء فى تاريخ أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فالذين ارتفع ذكرهم فى هذة الأمة ، وبقى علمهم وثناء الناس عليهم هم أهل الزهد فى الشهرة والذكر
وأهل الإخلاص من أهل السنة والجماعة ..
قيل لأبى بكر بن عياش :
إن ناساً يجلسون فى المسجد ويجلس إليهم .
فقال : من جلس للناس جلس الناس إليه
ولكن أهل السنة يموتون ويبقى ذكرهم فى الأمة
وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم .
فالذين ارتفع ذكرهم فى هذة الأمة
هم أهل الورع والصدق والأخلاص من أهل السنة والجماعة
كأئمة الفقه الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رحمة الله عليهم ، وكذا ابن المبارك والسفيانين وإسحاق
وأبى عبيد والحربى وشيخ الأسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب والذهبى وابن كثير والنووى والعز بن عبد السلام
ومن تأمل تراجمهم وجد نصيحتهم للأمة وزهدهم فى أعراضها الزائفة ..
قيل للنبى صلى الله عليه وسلم : الرجل يعمل العمل لا يريد به إلا وجه الله فيحبه الناس
- وفى رواية فيثنى عليه الناس - قال صلى الله عليه وسلم : [ تِلْكَ عاجِلُ بُشْرَى المُؤْمنِ ]
فالمؤمن لا يرجو وجوه الناس ولكنه يرجو وجه ربه الأعلى والله تعالى يُعلى ذكره ويرزق الناس مودته ، لأنه تعالى
يملك قلوب العباد ونواصى العباد والشهرة على كل حال ليس فيها نفع عاجل ولا آجل بل هى عنت ومشقة
وإبليس من أشهر الخلق ، وقد جعل الله عز وجل الآخرة للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فسادا
فقال تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) [ القصص : 83 ]
وقد كان السلف رضى الله عنهم يفرون من الشهرة أشد الفرار ..
كان أويس وغيره من الزهاد إذا عُرِفوا فى مكان ارتحلوا عنه .
وكان إبراهيم بن أدهم إذا دخل عليه داخل وهو يقرأ فى المصحف غطاه .
ودخل إبراهيم بن أدهم بستاناً فظل الناس يدورون فى البستان ويقولون : أين إبراهيم بن أدهم ؟!!
فأخد يدور معهم ويقول أين إبراهيم بن أدهم .
وذهب عبدُ الله بن المبارك إلى الكوفة ، وزاحم من أجل الوصول إلى سقاية ، فلم يعرفه الناس فدفعوه .
فقال : ما العيشُ إلا هكذا أى حيثُ لن نُعرف ولم نُوقر .
وكان الواحد يختم القرآن حفظاً ولا يعلم به جاره
وروىَ أن رجُلاً من السلف صام سنة كاملة ولم تعلم بذلك زوجته ، كان يخرُج بطعام إفطاره فيتصدق به
ويبقى فى دكانه إلى غروب الشمس ، ثم يعود يفطر فى بيته .
فمن أحبَّ أن يُذكر لم يُذكر ، وذلك لضعف نيته ، ومحبته لنفسه
ومن كره أن يُذكر ذُكر ، لأن كراهية الشهرة إخلاص لله عز وجل ورجاء لثوابه .
فمن أحب أن يُذكر لم يُذكر ، ومن كره أن يُذكر ذُكر
____________________________________________
كتبه الشيخ الدكتور : أحمد فريد - حفظه الله -
ليست هناك تعليقات