مساحة إعلانية

الرئيسية / / الفريضة الغائبة : الجهاد في سبيل الله شرعة باقية ، ج1

الفريضة الغائبة : الجهاد في سبيل الله شرعة باقية ، ج1


كثيرة هي المحابّ التي فطر الله تعالى الناس عليها ، وذكرها في كتابه ، إلا أنه نبه ،،

إلى أنه لا ينبغي تقديمها على محابّ الله ورسوله ، وأعظم هذه المحاب الدينية التي تزاحم المحاب الدنيوية


الجهاد في سبيل الله تعالى ...

الذي لا يعدله شيء من الأعمال في الإسلام ، بل إن تقديم أي أمر على الجهاد يعد فاعلوه من الفاسقين .

وفي ملفنا ( الفريضة الغائبة ) نقدم لكم هذا المقال المميز .. بعنوان ( الجهاد شرعة باقية ) ، في جزئه الأول ..

الجهاد شرعة باقية ، ج1

حقيقة الجهاد في الإسلام


الجهاد في اللغة :

هو استفراغ الوسع في المدافعة بين طرفين ولو تقديراً ..

والطرف الآخر هو ما يجاهده المسلم من نفس أو شيطان أو فاسق أو كافر .

واصطلاحاً :

قتال الكفار لإعلاء كلمة الله ، والمعاونة على ذلك . وهذا ملخص ما ذكره أئمة هذا الشأن [1] .

وذكر ابن رشد :

أن لفظ الجهاد إذا أطلق !!

فالمراد به قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى ، ولا ينصرف إلى غير قتال الكفار إلا بقرينة تدل على المراد [2] .

وهكذا كل الأحاديث التي تدل على فضائل الجهاد المراد بها الجهاد الحقيقي وهو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى

وكذلك تبويب أهل العلم في كتبهم للجهاد ؛ المراد به جهاد الكفار لا مجاهدة النفس .

وبعض الباحثين يزعم اتفاق العلماء على أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر ..

ويحتج بحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم من غزوة غزاها قال :

« قدمتم خير مقدم ، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، مجاهدة العبد هواه » وفي رواية : « جهاد القلب »

وبناء على هذا الحديث يدعي أن قتال الكفار هو الجهاد الأصغر ، والجهاد الأكبر هو جهاد النفس ..

وبهذا يصرف الناس عن أهمية القتال والاستعداد له ، بل في هذا الادعاء تثبيط وتنويم لمشاعر المسلمين

ودعوة للرضا بالواقع الذي يعيشونه وإذا حدث هذا لبعض المسلمين يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم :

« من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق »
[3]

والصواب في هذا - ولا شك - :

أن وصف قتال الكفار بالجهاد الأصغر وجهاد النفس بالجهاد الأكبر ؛ مغالطة لم يدل عليها دليل من كتاب ولا سنة [4] .

وابن القيم رحمه الله جعل جهاد النفس أصلاً لجهاد الكفار ، وأراد بجهاد النفس التزام شرع الله بكامله ، والدعوة إليه

بما في ذلك تحقيق التوحيد والكفر بالطاغوت ، ولا شك أن جهاد الكفار بالسيف هو ثمرة تحقيق التوحيد

فالكفر بالطاغوت هو اجتنابه وبغضه ، ونهاية البغض المقاتلة والمحاربة ، وجهاد النفس يندرج تحته أنواع كثيرة .

وذكر ابن القيم أن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ، ويحاربها في الله

لم يمكنه جهاد عدوِّه في الخارج والانتصاف منه ، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج [5] .

وأما حديث : « قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » :

فهو منكر وقال ابن تيمية : ( لا أصل له ) ، وضعفه البيهقي والعراقي والسيوطي والألباني [6] .

لماذا كلمة الجهاد وليس الحرب


اختار الإسلام كلمة « الجهاد » للقتال ..

وجعلها مصطلحاً خاصاً به بدلاً من الكلمات القديمة الشائعة بين الأمم كالحرب مثلاً ..

لما اشتملت عليه من معان سامية من تحرير الإنسان في هذه الأرض من العبودية للعباد ومن العبودية

لهواه وشهواته إلى العبودية لخالقه ورازقه . والجهاد ليس له أي علاقة بحروب البشر وأغراضها وأهدافها
[7] .

الجهاد ؛ هل هو تدخل في شؤون الآخرين ؟!


إن الغاية التي يتوقف عندها الجهاد : هي إسلام أهل الأرض كلهم واعتناقهم عقيدة الإسلام

ولا يتوقف الجهاد الإسلامي مدى الحياة ، لأن الشيطان مستمر في إغواء بعض البشر

والصراع بين الحق والباطل سنة إلهية لا تنتهي حتى ينتهي وجود البشر في هذه الأرض .


وعن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل رضي الله عنه أخبرهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :


« إني سئمت الخيل ، وألقيت السلاح ، ووضعت الحرب أوزارها ؛ قلت : لا قتال .

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الآن جاء القتال ، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس

يرفع الله قلوب أقوام ، فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك


ألا إن عقر دار المؤمنين الشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
»
( رواه أحمد وهو صحيح ) [8] .

ورواه النسائي ولفظه :

« كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم 

فقال رجل : يا رسول الله ! أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح ، وقالوا : لا جهاد ، قد وضعت الحرب أوزارها .


فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ، وقال : كذبوا .. الآن الآن جاء القتال 

ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة

وحتى يأتي وعد الله ، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث

وأنتم تتبعوني أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وعقر دار المؤمنين الشام »
[9] وحسنه البزار وصححه الألباني [10] .

وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة » ( رواه مسلم ) [11] .

وفي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ،

ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة » ( رواه مسلم ) [12] .

والمعنى : ظاهرين على من عاداهم .

وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تزال عصابة من أمتي ، يقاتلون

على أمر الله قاهرين لعدوهم ، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »
( رواه مسلم ) [13] .

وفي حديث عروة البارقي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

« الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم » ( رواه البخاري ) [14] .

قال الحافظ ابن حجر :

« وفيه بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة ؛ لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون »
[15]

وبهذا يظهر لنا جلياً أن الجهاد مستمر إلى قيام الساعة وأنه لا ينتهي جهاد الكفار

إلا إذا أسلموا ، أو خضعوا لحكم الإسلام ودفعوا الجزية حالة كونهم متلبسين بالذل والصغار
[16] .

هذا ، وقد أحسَّ العالم بخطأ فكرة « عدم التدخل في شؤون الآخرين » في بعض الظروف في مجال العلاقات الدولية

فأباح التدخل من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل ودفاعاً عن الإنسان في حالة اضطهاد دولة ما للأقليات من رعاياها .

ولكن يبقى ،،

أن الهوى في هذه الحال يَظلُّ يمارس دوره في ذلك التدخل من أجل ما ذُكِر من الأغراض

كما أن الهوى يظلُّ يمارس دوره في حكم الآخرين على ذلك التدخل ؛ بين مؤيد له ومعارض

ما دام لا يستند إلى حكم صادر عن جهة بريئة من الهوى والنزعات .


ومن هنا ؛ فقد نقلت الإذاعة البريطانية صباح الجمعة 3/1/1990 م عن الصحف البريطانية قولها :

« بوش - الرئيس الأمريكي الأسبق - لا يحظى بتأييد العالم كله ؛ لإعادة الديمقراطية إلى أي بلد في العالم » .

وذلك بصدد غزو القوات الأمريكية لبنما من أجل اعتقال حاكمها الجنرال « نورييجا » والإتيان به إلى أمريكا

لمحاكمته على جرائمه ، وهذا ما حصل .

وما دامت أمريكا قد أعطت لنفسها الحق في أن تتدخل في شؤون الآخرين من أجل تطبيق النظام الديمقراطي

الذي تؤمن هي به عليهم ، ويؤيدها في ذلك مؤيدون ، مع أن النظام الديمقراطي لا يدعي أحد - حتى أصحابه -

أنه النظام الذي ارتضاه الله لخلقه ..

فأي صفاقة غليظة إذن ؛ تلك التي تعيب على المسلمين أن يتدخلوا في شؤون الآخرين بتكليف من الله

ولو في تصور المسلمين فحسب ؛ من أجل تطبيق النظام الإسلامي على أولئك الآخرين

مع العلم أن هذا النظام يؤمن أكثر من ألف مليون من البشر أنه النظام الذي ارتضاه الله لخلقه ؟!

وإذا كان الآخرون ينكرون ذلك ، فلِمَ لا يفسح المجال لتقديم النظام بعقيدته للمناقشة على المستوى الشعبي

والرسمي العالمي عبر وسائل الإعلام الحديثة ليدرك العالم بالبحث الحر مدى قرب هذه الدعوى أو بعدها عن الحقيقة

ما دام هذا العالم هو المعنيُّ أولاً وأخيراً بهذه الدعوى ؟!

وخلاصة القول :

هل للمسلمين أن يتدخلوا باسم الجهاد في شؤون الآخرين ؟

الجواب - وبدون مواربة - : نعم ! ، ولله الحمد والمنة !!

من أجل الإنسانية التي تدرك مصالحها الحقيقية ، إذ ليس تدخل المسلمين في شؤون غيرهم كما تتدخل الوحوش

في شؤون الضعاف من خلق الله من أجل إشباع نهمة الافتراس عندها .

وإنما هو كتدخل الآباء والأمهات في شؤون أبنائهم ؛ من أجل إقرار الحق والعدل بينهم ، وزرع المحبة


والود والرحمة في قلوبهم ولو أنفق الآباء والأمهات من جهدهم وراحتهم ومالهم الشيء الكثير في هذا السبيل [17] .

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjO4zcqT8tCLAOFpj_E1ySku7mOss2oXDASeumfgMvlJvTtlaoRAL4UtNaug2tuNtLa9qZm7MF9rgZSXwIKYivN-c3AzFwtXMudXw-RuW8-WpRks_zbPkNu8_OfQ8ci9E9iX4i8xmZzPEw/s1600/separator.png%22

بقلم : جماز بن عبد الرحمن الجماز - ذو القعدة / 1423 هـ

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjO4zcqT8tCLAOFpj_E1ySku7mOss2oXDASeumfgMvlJvTtlaoRAL4UtNaug2tuNtLa9qZm7MF9rgZSXwIKYivN-c3AzFwtXMudXw-RuW8-WpRks_zbPkNu8_OfQ8ci9E9iX4i8xmZzPEw/s1600/separator.png%22

المراجع ||

[1] ( لسان العرب ، لابن منظور ، مادة جهد ) ، ( القاموس المحيط ، للفيروز آبادي ، مادة جهد )

( إرشاد الساري ، للقسطلاني ، ج 5 ، ص 30 - 31 ) ، ( فتح الباري ، لابن حجر ، ج 6 ، ص 2 )

( القاموس الفقهي ، سعدي أبو حبيب ، ص 71 )

[2] مقدمات ابن رشد ، ج 1، ص 369

[3] رواه مسلم

[4] أهمية الجهاد ، للعلياني ، ص 118 - 123 ، صحيح مسلم شرح النووي ، ج 13، ص 60 رقم 1910

[5] زاد المعاد ، لابن القيم ، ج 3 ، ص 1026

[6] السلسلة الضعيفة ، للألباني ، ج 5 ، ص  478 ، رقم ( 2460 )

[7] مبادئ الإسلام ومنهجه في قضايا السلم والحرب ، الدكتور أبو بكر ميقا ، ص 76 - 78 .

[8] مسند أحمد ، ج 13 ، ص 214 ، رقم 16902 ، طبعة دار الحديث .

[9] سنن النسائي ، ج 6 ، ص 214، رقم 3561 ، « أذال الناس الخيل » : امتهنوها بالعمل والحمل عليها

[10] الصحيحة ، للألباني ، ج 4 ، ص 571 ، رقم 1935

[11] شرح مسلم ، للنووي ، ج 13 ، ص 71 ، رقم 1922 ، طبعة دار القلم

[12] المرجع السابق ، ج 13، ص 72، رقم 1923، طبعة دار القلم

[13] المرجع السابق ، ج 13 ، ص 72 ، رقم 1924 ، طبعة دار القلم

[14] فتح الباري ، لابن حجر ، ج 6 ، ص 70 ، رقم 2852

[15] السابق

[16] أهمية الجهاد ، للعلياني ، ص 185 - 186

[17] الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ، لمحمد هيكل ، ج 1 ، ص 818 - 820

شارك المقال

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ المنهاج الدعوية 2012 ©