ومن أوضح ما يكون لذوي الفهم قصص الأولين والآخرين ، قصص من أطاع الله وما فعل بهم ، وقصص من عصاه وما فعل بهم . فمن لم يفهم ذلك ولم ينتفع به فلا حيلة فيه . كما قال تعالى وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص . وقال بعض السلف : " القصص جنود الله " يعني أن المعاند لا يقدر يردها . فأول ذلك : ما قص الله سبحانه عن آدم ، وإبليس ، إلى أن هبط آدم وزوجه إلى الأرض . ففيها من إيضاح المشكلات ما هو واضح لمن تأمله ، وآخر القصة قوله تعالى : قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . - ص 12 - وفي الآية الأخرى : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا إلى قوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى . وهداه الذي وعدنا به : هو إرساله الرسل . وقد وفى بما وعد سبحانه ، فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل . فأولهم : نوح . وآخرهم : نبينا صلى الله عليه وسلم . فاحرص يا عبد الله على معرفة هذا الحبل ، الذي بين الله وبين عباده ، الذي من استمسك به سلم ، ومن ضيعه عطب . فاحرص على معرفة ما جرى لأبيك آدم ، وعدوك إبليس ، وما جرى لنوح وقومه ، وهود وقومه ، وصالح وقومه ، وإبراهيم وقومه ، ولوط وقومه ، وموسى وقومه ، وعيسى وقومه ومحمد صلى الله عليه وعليهم وسلم وقومه . واعرف ما قصه أهل العلم من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وقومه وما جرى له معهم في مكة ، وما جرى له في المدينة . واعرف ما قص العلماء عن أصحابه وأحوالهم وأعمالهم . لعلك أن تعرف الإسلام والكفر . فإن الإسلام اليوم غريب وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر . وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح . وأما قصة آدم ، وإبليس : فلا زيادة على ما ذكر الله في كتابه . ولكن قصة ذريته . - ص 13 - فأول ذلك أن الله أخرجهم من صلبه أمثال الذر ، وأخذ عليهم العهود : أن لا يشركوا به شيئا ، كما قال تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج . ورأى فيهم رجلا من أنورهم . فسأله عنه؟ فأعلمه أنه داود . فقال : كم عمره؟ قال : ستون سنة . قال : وهبت له من عمري أربعين سنة ، وكان عمر آدم ألف سنة . ورأى فيهم الأعمى والأبرص والمبتلى . قال : يا رب لم لا سويت بينهم ؟ قال إني أحب أن أشكر . فلما مضى من عمر آدم ألف سنة إلا أربعين أتاه ملك الموت . فقال : إنه بقي من عمري أربعون سنة . فقال : إنك وهبتها لابنك داود . فنسي آدم فنسيت ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته . فلما مات آدم بقي أولاده بعده عشرة قرون على دين أبيهم ، دين الإسلام . ثم كفروا بعد ذلك . وسبب كفرهم الغلو في حب الصالحين . كما ذكر الله تعالى في قوله وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وذلك أن هؤلاء الخمسة قوم صالحون كانوا يأمرونهم وينهونهم . فماتوا في شهر . فخاف أصحابهم من نقص الدين بعدهم . - ص 14 - فصوروا صورة كل رجل في مجلسه لأجل التذكرة بأقوالهم وأعمالهم إذا رأوا صورهم ، ولم يعبدوهم . ثم حدث قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم من قبلهم ، ولم يعبدوهم . تم طال الزمان ، ومات أهل العلم . فلما خلت الأرض من العلماء : ألقى الشيطان في قلوب الجهال : أن أولئك الصالحين ما صوروا صور مشايخهم إلا ليستشفعوا بهم إلى الله ، فعبدوهم . فلما فعلوا ذلك : أرسل الله إليهم نوحا عليه السلام ، ليردهم إلى دين آدم وذريته الذين مضوا قبل التبديل ، فكان من أمرهم ما قص الله في كتابه ، ثم عمر نوح وأهل السفينة الأرض ، وبارك الله فيهم ، وانتشروا في الأرض أمما ، وبقوا على الإسلام مدة لا ندري ما قدرها ؟ ثم حدث الشرك . فأرسل الله الرسل . وما من أمة إلا وقد بعث الله فيها رسولا يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن الشرك . كما قال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال تعالى ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه الآية . ولما ذكر القصص في سورة الشعراء ختم كل قصة بقوله إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين فقص الله سبحانه ما قص لأجلنا . كما قال تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى الآية .
- ص 15 - ولما أنكر الله على أناس من هذه الأمة - في زمن النبي صلى الله عليه وسلم - أشياء فعلوها قال ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين . وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على أصحابه قصص من قبلهم ، ليعتبروا بذلك . وكذلك أهل العلم في نقلهم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما جرى له مع قومه ، وما قال لهم ، وما قيل له . وكذلك نقلهم سيرة الصحابة ، وما جرى لهم مع الكفار والمنافقين ، وذكرهم أحوال العلماء بعدهم . كل ذلك لأجل معرفة الخير والشر . إذا فهمت ذلك : فاعلم أن كثيرا من الرسل وأممهم لا نعرفهم ؛ لأن الله لم يخبرنا عنهم لكن أخبرنا عن عاد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد . فبعث الله إليهم هودا عليه السلام . فكان من أمرهم ما قص الله في كتابه وبقي التوحيد في أصحاب هود إلى أن عدم بعد مدة لا ندري كم هي؟ وبقي في أصحاب صالح . إلى أن عدم مدة لا ندري كم هي ؟ |
|
|
ليست هناك تعليقات