ورد النص الأول "إلهى إلهى لماذا تركتنى" فى العهد الجديد برواية متى46:27 .. و هو منسوب للمسيح عليه السلام قبل حادثة الصلب : المشهد الأساس فى المعتقد "المسيحى السائد" أو "الماستر سين" كما يقول أهل السينما أو "العقدة الدرامية " كما يقول كتاب السيناريو.
إجتهد القساوسة كثيرا بمختلف طوائفهم فى تفسير هذا النص .. و هو نص مُشكل -لا ريب- لأى "مبشر" -لا سيما الأورتودوكس منهم- يروج لعقيدته بين الناس .. ففى حين لا يسئم القساوسة الأورتودوكس من ترديد مفهوم "الناسوت و اللاسوت لم ينفصلا أبدا" يجئ هذا النص فى بؤرة مشهد الصلب و يضع "العصا بين العجل" -كما يقول التعبير الأجنبى- فيوقف "المراكب السائرة" أو على الأقل يربكها ربكاً شديداً.
إلى أن لجأ البعض من القساوسة للحل الأسهل و هو تجاهل أو "القفز" من فوق هذا النص فى سياق الأحداث !
خطورة هذا النص تقع -عندى- على ثلاثة مستويات .. أما المستوى الأول فنحن أمام نص "ينفى تماما "مزعم أن يسوع هو الله أو فى قراءة أخرى نصف أو إبن الله !
أما المستوى الثانى ففى "توقيته المحورى" فى سياق الأحداث .. إذ كان من المنتظر من "الإبن" فى هذا المشهد المفصلى فى تاريخ البشرية .. أن يقف بين جموع الناس ليخطب "خطبة وداعه" أو ليلقى موعظته الأخيرة شارحاً و مفصلاً المهمة التى جاء من أجلها .. ليكون للمشهد سيناريو آخر كالتالى على سبيل المثال :
(... طلب الحواريون من الحراس أن يسمعوا له قبل أن يُصلب.. فأشاروا إ ليه بالموافقة. و قف يسوع بين جموع البشر فقال : الحق أقول لكم .. ها أناذا سأذبح من أجلكم .. ها أنا ذا أكمل المهمة التى أرسلنى أبى من أجلها.. هللويا و إفرحوا .. ها أنا ذا أُكفر بذبحى خطاياكم و خطيئة أبيكم آدم .. لأن أجرة الخطيئة موت.. إن هذا يوم الخلاص الذى من أجله أرسلت .. فافرحوا ولا تحزنوا.. )
و لكن الراوية قالت غير ذلك .. صورت الراوية شخصاً مرتعداً مرعوباً أمام الموت و يصرخ ألما و مستعطفاً "الآب" قائلاً : "إلهى إلهى لماذا تركتنى" !!
أما عن المستوى الثالث .. فهو أننا بصدد عبارة لا تصدر إلا من شخص "قد كفر بمعية الله" .. هى عبارة يأس و نقمة .. و هى عبارة لا يمكن أن تصدر من إنسان "يؤمن بالمهمة التى يؤديها" ..
بل من إنسان متشبث بالحياة الدنيا "أُجبر"على الدخول فى تجربة على غير استعداد منه لها.
فلننظر إلى المشهد التالى و لنتعلم..
انظر كيف يرى القلب المؤمن المحن و أوقات الضيق .. هل يضجر ؟ هل ييأس ؟ هل ينقم ؟
هل يجزع ؟ هل يكفر بمعية الله .. فيقول أين أنت يا إلهى!؟
كلا و الله ..
فلننظر إلى هذا المشهد و لنتعلم .. لنتعلم كيف يكون الإطمئنان عند الضيق .. و الإيمان عند الفتن .. و الثبات عند النوازل..
همس أبو بكر الصديق فى أذنه - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يسمعه من بالخارج : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا!! ..
و الذين هم بالخارج هم رجال من قريش يطاردون الرسول- صلى الله عليه وسلم - و صاحبه -رضى الله عنه- طمعاً فى مائة ناقة و هى الجائزة التى رصدتها قريش للقبض أو لقتل اللذين سفها الآلهة و ألبا "العبيد" على "الأسياد".
فكان الرد من الذى أتاه الله جوامع الكلم فلم ينطق إلا حقاً .. من القلب السابح فى فيوض الإيمان المسبح للرحمن : "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"..
و ينزل الوحى على قلب عبده صلى الله عليه و سلم مخلداً ذلك المشهد .. يقول الله سبحانه :
(إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة الله هى العليا-التوبة40)
قد قالها من قبل كليم الله موسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام .. لما حوصر أصحاب موسى بين البحر من جهة و بين جيوش فرعون من جهة أخرى و بلغت القلوب الحناجر قال أصحاب موسى فى هلع و فى فزع (إنا لمدركون) .. فأجاب عبده و كليمه (كلا إن معى ربى سيهدين)!
هل كان لموسى و أتباعه سفنا راسيات لتنقذ المستضعفين من الموت المحقق ؟
كلا !
أكانت له صورايخ ليزرية لينسف بها جيوش فرعون ؟
كلا !
إذن من أين أتى موسى بهذه الثقة العجيبة !
من أين أتى الرسول الكريم بهذا الثبات و هما محاصران فى غار ثور و الموت واقف بالباب لا يفصل بينهما و بينه إلا مسافة أن ينظر أحدهم تحت قدميه !؟
إنه الإيمان الذى لا يعرفه المستكبرون و مرضى القلوب .. سرُُ عجيب لا يؤتاه إلا الذين صبروا و لا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.
و هو إيمان لا يؤتاه الجالسون فى بيوتهم فى راحة و دعة .. و لا يؤتاه الكسالى و المنبطحون أتباع مذهب "إذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" .. أو مذهب "لا تنفروا فى الحر" أو مذهب "هذه عصاتى و معزاتى فاغفر لى سيئاتى" كما كتب احدهم ..
فلم يجلس موسى و الرسول الكريم عليهما الصلاة و السلام فى بيوتهم -بجانب العصا و المعزة- قائلين لأتباعهم :"إن معى ربى سيهدين" أو "لا تحزن إن الله معنا" بل جاهدوا و هاجروا و صدحوا بالحق و أوذوا حتى أتاهم نصر الله.. معية الله شرف و فضل لا تكون للجبناء بل للمواجهين .. هى ليست للقاعدين بل للمستنفرين أصحاب الهمم العالية.
و أقول ختاماً لإخواننا المسيحيين .. إن المصلوب لا يمكن أن يكون هو المسيح بأى حال من الأحوال .. و لا أقول هذا من منطلق إيمانى كمسلم .. بل من منطلق قارئ يقرأ الكلام فيحلله و يفنده .. عبارة "إلهى إلهى لماذا تركتنى" لا يمكن أن يلفظها إنسان صالح .. فما بالك بنبى و رسول كريم مدحه الله سبحانه قائلاً "وجيها فى الدنيا و الآخرة"..
سلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حياً.
و الحمد لله رب العالمين
إجتهد القساوسة كثيرا بمختلف طوائفهم فى تفسير هذا النص .. و هو نص مُشكل -لا ريب- لأى "مبشر" -لا سيما الأورتودوكس منهم- يروج لعقيدته بين الناس .. ففى حين لا يسئم القساوسة الأورتودوكس من ترديد مفهوم "الناسوت و اللاسوت لم ينفصلا أبدا" يجئ هذا النص فى بؤرة مشهد الصلب و يضع "العصا بين العجل" -كما يقول التعبير الأجنبى- فيوقف "المراكب السائرة" أو على الأقل يربكها ربكاً شديداً.
إلى أن لجأ البعض من القساوسة للحل الأسهل و هو تجاهل أو "القفز" من فوق هذا النص فى سياق الأحداث !
خطورة هذا النص تقع -عندى- على ثلاثة مستويات .. أما المستوى الأول فنحن أمام نص "ينفى تماما "مزعم أن يسوع هو الله أو فى قراءة أخرى نصف أو إبن الله !
أما المستوى الثانى ففى "توقيته المحورى" فى سياق الأحداث .. إذ كان من المنتظر من "الإبن" فى هذا المشهد المفصلى فى تاريخ البشرية .. أن يقف بين جموع الناس ليخطب "خطبة وداعه" أو ليلقى موعظته الأخيرة شارحاً و مفصلاً المهمة التى جاء من أجلها .. ليكون للمشهد سيناريو آخر كالتالى على سبيل المثال :
(... طلب الحواريون من الحراس أن يسمعوا له قبل أن يُصلب.. فأشاروا إ ليه بالموافقة. و قف يسوع بين جموع البشر فقال : الحق أقول لكم .. ها أناذا سأذبح من أجلكم .. ها أنا ذا أكمل المهمة التى أرسلنى أبى من أجلها.. هللويا و إفرحوا .. ها أنا ذا أُكفر بذبحى خطاياكم و خطيئة أبيكم آدم .. لأن أجرة الخطيئة موت.. إن هذا يوم الخلاص الذى من أجله أرسلت .. فافرحوا ولا تحزنوا.. )
و لكن الراوية قالت غير ذلك .. صورت الراوية شخصاً مرتعداً مرعوباً أمام الموت و يصرخ ألما و مستعطفاً "الآب" قائلاً : "إلهى إلهى لماذا تركتنى" !!
أما عن المستوى الثالث .. فهو أننا بصدد عبارة لا تصدر إلا من شخص "قد كفر بمعية الله" .. هى عبارة يأس و نقمة .. و هى عبارة لا يمكن أن تصدر من إنسان "يؤمن بالمهمة التى يؤديها" ..
بل من إنسان متشبث بالحياة الدنيا "أُجبر"على الدخول فى تجربة على غير استعداد منه لها.
فلننظر إلى المشهد التالى و لنتعلم..
انظر كيف يرى القلب المؤمن المحن و أوقات الضيق .. هل يضجر ؟ هل ييأس ؟ هل ينقم ؟
هل يجزع ؟ هل يكفر بمعية الله .. فيقول أين أنت يا إلهى!؟
كلا و الله ..
فلننظر إلى هذا المشهد و لنتعلم .. لنتعلم كيف يكون الإطمئنان عند الضيق .. و الإيمان عند الفتن .. و الثبات عند النوازل..
همس أبو بكر الصديق فى أذنه - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يسمعه من بالخارج : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا!! ..
و الذين هم بالخارج هم رجال من قريش يطاردون الرسول- صلى الله عليه وسلم - و صاحبه -رضى الله عنه- طمعاً فى مائة ناقة و هى الجائزة التى رصدتها قريش للقبض أو لقتل اللذين سفها الآلهة و ألبا "العبيد" على "الأسياد".
فكان الرد من الذى أتاه الله جوامع الكلم فلم ينطق إلا حقاً .. من القلب السابح فى فيوض الإيمان المسبح للرحمن : "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"..
و ينزل الوحى على قلب عبده صلى الله عليه و سلم مخلداً ذلك المشهد .. يقول الله سبحانه :
(إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة الله هى العليا-التوبة40)
قد قالها من قبل كليم الله موسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام .. لما حوصر أصحاب موسى بين البحر من جهة و بين جيوش فرعون من جهة أخرى و بلغت القلوب الحناجر قال أصحاب موسى فى هلع و فى فزع (إنا لمدركون) .. فأجاب عبده و كليمه (كلا إن معى ربى سيهدين)!
هل كان لموسى و أتباعه سفنا راسيات لتنقذ المستضعفين من الموت المحقق ؟
كلا !
أكانت له صورايخ ليزرية لينسف بها جيوش فرعون ؟
كلا !
إذن من أين أتى موسى بهذه الثقة العجيبة !
من أين أتى الرسول الكريم بهذا الثبات و هما محاصران فى غار ثور و الموت واقف بالباب لا يفصل بينهما و بينه إلا مسافة أن ينظر أحدهم تحت قدميه !؟
إنه الإيمان الذى لا يعرفه المستكبرون و مرضى القلوب .. سرُُ عجيب لا يؤتاه إلا الذين صبروا و لا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.
و هو إيمان لا يؤتاه الجالسون فى بيوتهم فى راحة و دعة .. و لا يؤتاه الكسالى و المنبطحون أتباع مذهب "إذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" .. أو مذهب "لا تنفروا فى الحر" أو مذهب "هذه عصاتى و معزاتى فاغفر لى سيئاتى" كما كتب احدهم ..
فلم يجلس موسى و الرسول الكريم عليهما الصلاة و السلام فى بيوتهم -بجانب العصا و المعزة- قائلين لأتباعهم :"إن معى ربى سيهدين" أو "لا تحزن إن الله معنا" بل جاهدوا و هاجروا و صدحوا بالحق و أوذوا حتى أتاهم نصر الله.. معية الله شرف و فضل لا تكون للجبناء بل للمواجهين .. هى ليست للقاعدين بل للمستنفرين أصحاب الهمم العالية.
و أقول ختاماً لإخواننا المسيحيين .. إن المصلوب لا يمكن أن يكون هو المسيح بأى حال من الأحوال .. و لا أقول هذا من منطلق إيمانى كمسلم .. بل من منطلق قارئ يقرأ الكلام فيحلله و يفنده .. عبارة "إلهى إلهى لماذا تركتنى" لا يمكن أن يلفظها إنسان صالح .. فما بالك بنبى و رسول كريم مدحه الله سبحانه قائلاً "وجيها فى الدنيا و الآخرة"..
سلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حياً.
و الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات