مساحة إعلانية

الرئيسية / / قطاع طريق النصيحة - الشيخ عبد العزيز الطريفى

قطاع طريق النصيحة - الشيخ عبد العزيز الطريفى


كما أنه لطرق الناس وأموالهم قطاع فللنصيحة قطـاع طريق يعترضون طريقها ويمنعون خيرها

وهم العقبة الكبرى في تخلف المصالح أن تتم أو تثبت

وكثير من الناس إنما يقلع عن زلته حياءً ألا يجد موافقـا إن أقام عليها مع حبه لها وتمنيه العودة إليها

فإن وجد من يُـفسد على الناصح نصحه فهذه نعمة النفس التي جاءت بلا مقدار


قطاع طريق النصيحة - اعرفهم واحذرهم


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد ،،

النصيحة بها صلاح الدين والدنيا ؛ لأنَّه بها ينشأان ابتداءً وبها يُـقَـوَّمان إن اختَـلاَّ ، فهي عين الدين والدنيا الحارسة


ولذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) يعني : جِماعه وأصله وفرعه .

هي العِبادة التي يَتعدَّى نفْع صاحِبها إلى غيره

وتَرجع بالأجر عليه ما بلَغت المراد ويعظم الأجرُ ما امتَثَل المنصوح لها وانقاد

وهي الجِهاد الأكبر الذي تقاتل فيه النفوس العواصي وتضرب بها رؤوس الشهوات التي هي أمنع من معاقد الرؤوس

وبها تنزل أمداد النِّعَم ، كما تنزل أمداد النصر .

ولو كان مع صحَّة النصيحة سلامةُ طريقها ، وعدم اغتِيالها دون وصولها إلى أذن صاحبها

لحصل مقصود الناصح في المنصوح ولصلَحت البشرية وامتَنَع الفساد .

ولكنَّ الكلام يُـظْـلَـم ، كما تُـظـلَـم الـنـفوس ؛ بل أشد ، وكما أنه لِطُرُق الناس وأموالهم قُطَّاع

فللنصيحة قُطَّـاع طريق يعتَرِضون طريقَها ، ويمنَعون خيرَها وهم العقبة الكُبرَى في تخلُّف المصالح أن تتمَّ أو تثبت

وكثيرٌ من الناس إنما يُقلِع عن زلَّتِه حياءً ألاَّ يجد مُوافِقًا إن أقام عليها مع حبِّه لها ، وتمنِّيه العودة إليها

فإن وجد مَن يُفسِد على الناصح نُصْحَه ، فهذه نعمة النفس التي جاءت بلا مقدار .

وكما تَفسد بهم أموالُ الناس فتَفسد دنياهم ، فكذلك تَفسد بهم النصائحُ فـيَـفسد بذلك ديـنُـهم

غلبَتْهم أنفسُهم على ما يظنُّون ولم يغلبوها على ما يستيقِنون ، فـتـفـرَّغوا خَـمْـشًـا لوجه النصيحة

وتكلَّفوا لاستِخراج المعاني السيِّئة ، تارَةً بِمُنازَعة الله فيما لا يعلَمه إلا هو ممَّا يقتَضِي معرفة النيات

والكشف عن دقائق المقاصد كادِّعاء الـتـنـقُّص والتهويش والتحريض وحب الشهرة

وخرق هيبة المنصوح ويفتَحون أبوابًا من الصدِّ لا يُسأَل عنها أحدٌ ولا يدلُّ عليها وسواس .

وتارةً أخرى بحمْل المتشابه من النصيحة مَـحْـمَـل المحْكم منها حتى تصل للمنصوح والعامَّة شوهاء سوداء مُظلِمة 

تستَوحِش منها النُّفوس ، بل ربما لو أرجع الناصح بصَرَه إلى نصيحته ونظَر إليها بعينه لاستَنكَر نفسه ولامَ لسانه

أو قلمه لو قـدَّمتُ وأخَّرت ، أو قـيـدتُ وما أطـلـقـت ! وربما ترجَّح في فكره أن طـيَّـه لما قال أَوْلَى من نشره 

وهؤلاء لا ينبغي الاعـتِـبَـار بهم ، ولا الانشِغال بقولهم فهم المانعون للخير المذكورون في القرآن 

والمتربِّصون بالحق ، تربَّصوا بالنصائح المحمديَّة حينَما خرجتْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم

حرصًا ألاَّ تصل كما يريد ، فنَهاه الله أن يلتَفِت إليهم :

( وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) [ القلم : 10 - 13]

ومِن أظهرِ علاماتهم التغافُل عن أهل الفُسُوق والزيغ ، فكم أبطَلوا من حق ، وكم أفسَدوا من صالح

وكم دبَّروا من مَكِيدة ، وكم حبَسُوا من قَوافِل النصائح الصادِقة أن تسير إلى أهلها .

وقلوب البشر مَجبُولة على الرغبة والرهبة ، والألسنة تابعةٌ للقلوب ، كما أنَّ العيون ناطقة عن الضمائر

وفي ذلك يصبح أكثر الناصحين بين أمرَيْن :

- إمَّا أن يُحجِم عن نصحه ، معتذرًا إلى نفسه بالمفاسد الطارئة على نصحه ، وعدم تَمام المقصود منها

فأنْ تحبس النصيحة خيرٌ له من أن تصل على وجهٍ لا يُراد .

- وإمَّا أن ينصح وقلبه مُوَزَّع بين إتمام النصيحة وخلوصها ، والسلامة من قُطَّاع طريقها

فيدرج في ثَنايا نصحه من الاستِثناءات ما يثقل على السامع ، ومن الاحتِرازات ما لا يُحتاج إلى مثله

ومن مَدِيح المنصوح مدحًا يُعِيق السامع عن استِساغة النصيحة ، ويحمله على التشكيك في نيَّة الناصح

لأن السامع والقارئ لا يرى ما يراه الناصح ، فأينما توجَّهتِ النصيحة فلا تبلغ مرادها .

حتى أصبح الباحِثُون عن الحقِّ إلى الاختِلاف الشديد وانتَهَى الأمر بين العامَّة من راغِبِي الإصلاح والمصلِحين

إلى التلاوُم والترادُع ، ولم يُعجِبهم الإجمال بالاعتِذار أنَّ الناصِح يعرِف ما لم يعرفوا ، وفوق كلِّ ذي علم عليم .

والناصحون في ذلك يَتـنازَعهم في سلامة ميزان النصيحة خلوصُ القلب لله

مع العلم وسبر الحال ومعرفة المآل ، معرفة تَحُول دون أوهام النفس ، وتضخيم أمر قُطَّاع طريق النصيحة

أو تهوين شأنهم ، والإقدامُ عند الظنِّ أَوْلَى من الإحجام ، فكم عُطِّلت النصيحة الواجبة بالظُّنون .

وعلى قدر الرَّهبة في القلب - ولو كانت متوهَّمة - يكون تعطيل حقِّ الله في بذْل النُّصح

ومن أمكن أن يُزَحزَح عن النصيحة الصادقة بأدنى ظنٍّ، ويُحمَل على الباطل بأيسرِ تهويش

فليس ممَّن يكون لقوله قَبول وأثر في الناس .

وليكن عمل الناصح لله الذي يسمَع ويرى ، وله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثَّرَى

ومَن علَّق نفسَه بالظنون غَدَتْ به يمنةً ويسرةً ، وعظم أمر عقله في التوقِّي والحذر، والنص بين عينيه يراه ويسمعه

وليس له على نفسه أثرٌ كأثر عقله وسياسته ، فذاك دانَ لعقل قاصر محمول، وما دان لخالق العقل وحامله .

وإذا جَمَعت النفسُ أمام الناصح حوادثَ أخذ بحنكته وسياسته فسلم

فهي تريد ترويضه ألا يفعل أو يقول لأن النفوس تخلط بين سلامة الدين وسلامة الدنيا

ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم لم يَسْلَم له من دنياه مثل ما ذهب منها ، وقد سَلِمَ له الدِّين كله 

وقد قال الله - تعالى - عن المنافقين :

( وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ) [ التوبة : 50]

أي : فرحوا بما ذهبوا إليه من الحنكة والدِّراية ، فلم يُصابوا بأذًى مع مخالفتهم لأمر الله

وهو فرحٌ مذموم وسلامة غير مقصودة

فأمَر اللهُ نبيَّه : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [ التوبة: 51]

وكثيرًا ما تشغل النفسُ صاحبَها بالنظر إلى سلامة الدنيا عن النظر إلى سلامة الدين فصار كأنَّه لا يرى شيئًا سِواها

ولا ينظر إلا بعينها ، وإن نطق باسم الدين ومصلحة الإسلام ، فالاسم غير المسمَّى

وكثيرٌ من الناصحين تصدر نصائحهم عن إيمان ، وسلامة قلب ، وغيرة خالصة

مع غرارة وغفلة عمَّا أُوتِي مانِعو النصيحة من فجور وحذاقة

وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن غِرٌّ كريم ، والفاجر خِبٌّ لئيم )

والحاجة متحتِّمة للناصح باليقَظَة والفِطنة ، وتَمام الدراية ، خاصَّة في زمن يَكثُر فيه المتربِّصون بالحق وأهله

وهذا طريق الأنبياء في الخروج من كيد المتربِّصين :

( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِك ) [ يوسف : 76]

وكيده كيدٌ مشروع لصدِّ كيدٍ ممنوع ، ومع هذا ، فغرارةٌ مع إيمانٍ أنفعُ في الدين والدنيا من حذاقةٍ مع فجور.

وعلى الناصِح ألا يشغل خاطره بِقُطَّاع طريقِه ولا يعمل لسانه فيهم

فينشَغِل عن غايته إلى غايتهم، فغايتُهم الانشِغال بهم عن سلوك الطريق

وليعلم أن الثَّواب على قدر المشقَّة، والجزاء على قدر العمل ، وله في نبيِّه أسوة

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) [ الأحزاب : 21]



تحميل المقال :-  pdf  -  word



كتبه : الشيخ عبد العزيز الطريفى

شارك المقال

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ المنهاج الدعوية 2012 ©