تكلمنا فى جزئين سابقين حول المجاهدة والنفس وأنواعها وكيف نحاسب أنفسنا ومهدنا فيهما لسؤالنا المهم ..
وهنا يأتي سؤال اشتاقت له النفوس : كيف تجاهد نفسك ؟
ويأتي الجواب على ذلك ضمن الخطوات التالية :
1- التوبة من الذنوب وعدم التسويف :
قال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ النور : 31 ]
لأن كل نقص وشر في الدنيا والآخرة ، فسببه الذنوب
قال تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) [ النساء : 79 ]
وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمر مشهود .
فشهود العبد نقص حاله إذا عصى ربه وتغير القلوب عليه وهو أنه على أهل بيته حتى يعلم من أين أتى ؟
ووقوعه على السبب الموجب لذلك مما يقوي إيمانه .
فعدم التوبة يجعل الإنسان يألف الذنوب ، كمن ترك صلاة الفجر في وقتها زمنًا طويلاً فما يعود يشعر
بوخز الضمير فهذا على خطر كبير إذ ربما سبب ذلك إلى سقوطه ورجوعه إلى طريق الضلال .
بوخز الضمير فهذا على خطر كبير إذ ربما سبب ذلك إلى سقوطه ورجوعه إلى طريق الضلال .
وإذا صدق التائب قلبت الأمَّارة مطمئنة ، ورب ذنب أدخل صاحبه الجنة .
واعلم أن الذنوب حجاب عن المحبوب وتتم التوبة بالعلم والندم والعزم .
والتوبة واجبة على الدوام لأن الإنسان لا يخلو عن معصية ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
« إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة »
والتوبة واجبة على الدوام لأن الإنسان لا يخلو عن معصية ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
« إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة »
ولذلك أكرمه الله تعالى بقوله : ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) [ الفتح : 2 ]
والتسويف يعالج بالفكر في أن أكثر صياح أهل النار من التسويف ، وأنه كلما طال عمره ازداد ضعفه
وكذلك خوف المواصلة بالموت قبل التوبة
وخوف أن يضرب الله عز وجل بعقوبة مانعة له من التوبة من القسوة أو الطبع .
وخوف أن يضرب الله عز وجل بعقوبة مانعة له من التوبة من القسوة أو الطبع .
2- التزام الصحبة الصالحة :
س : هل جلوس الإنسان لوحده يثمر ؟
ج : الجواب واحد من وجهين :
أ- إن كان جلوسه لوحده إيجابيًّا ، وذلك بأن يستغل وقته فيما ينفع من سماع أشرطة أو قراءة فهذا يثمر .
ب- وأما إن كان جلوسه لوحده سلبيًّا ، وذلك بأن يستسلم لحديث النفس الأمارة ويضيع وقته في محاسبة الغير
مثلاً : يقول في نفسه : لماذا لم يزرني فلان ؟ ولماذا لم يكلمني فلان ؟ ... إلخ
فهذا ضار يحطم النفس ، فالعلاج الاجتماع مع الصالحين ؛ لأن يد الله مع الجماعة ، والإنسان اجتماعي بطبعه
وأشغل وقتك دائمًا بالخير ؛ لأن الوقت إذا لم تشغله بخير أشغلك الشيطان بالشر .
ولكن هنا تنبيه مهم :
احذر ( يا من بدأت طريق الاستقامة ) الوحدة
لأن الشيطان مترصد والنفس أمارة بالسوء فأي هاجس يأتيك ليصدك عن طريق الاستقامة
تذكر أنه قد يكون في قلبك توبة أعظم ممن يعمل سنوات وهو معجب بنفسه وعمله
إذن استمر وواصل طريقك إلى الجنة .
3- الابتعاد عن صحبة الأشرار :
فكلما هم بالصعود ثنوه عن عزمه ، ولو لم يأته من مجالسة هؤلاء إلا أنه يقارن حاله بحالهم
فيتعاظم في نفسه ويرى أنه أرفع منهم قدرًا، فلا يسعى في إصلاح حاله .
4- جهاد الهوى :
الهوى هو ميل النفس إلى ما تشتهي ، قال تعالى : ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) [ ص : 26 ]
فمن أسباب اتباع الهوى :
1- عدم التعود على ضبط الهوى منذ الصغر
2- مجالسة أهل الأهواء ، يقول الحسن : ( لا تجالسوا أصحاب الأهواء )
3- ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الآخرة
4- حب الدنيا
5- الجهل بالعواقب
فالعلاج : مجاهدة النفس على التخلص من أهوائها واتباع المشروع
قال تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) [ طه : 123 ]
قال ابن مسعود رضى الله عنه : ( أنتم في زمان يقود الحق الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق )
فالإنسان مرة يجتذبه الهوى ومرة يعود إلى رشده
فعليه أن يكثر من أصدقاء الخير الذين يذكرونه إذا نسي وينشطونه إذا كسل .
قال الحسن البصري رحمه الله : ( أفضل الجهاد : جهاد الهوى ) ، وقال : « والمجاهد من جاهد هواه »
5- تقوية الإرادة الضعيفة :
1- أن يكثر من العبادات ؛ لأنها تزكي النفوس وتقوي الإرادة
2- أن يكثر من صيام النفل ، ويستحضر عظمة الصوم في رمضان ؛ لأنه يقوي الإرادة
3- أن لا نترك الإرادة تتبخر من غير أن ننفذ ما عزمنا عليه من عمل ، لأن ذلك يضعف الإرادة
قال تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله ) [ آل عمران : 159 ]
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( قال صلى الله عليه وسلم : « احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز »
فالإنسان العاقل هو الذي يقبل وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه
وما أكثر الذين يضيعون أوقاتهم في غير فائدة بل في مضرة على أنفسهم وعلى دينهم )
وهذا حديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراسًا له في عمله الديني والدنيوي .
فإذا تعارضت منفعتان نقدم المنفعة العليا ، فإذا اجتمع صلة أخ وصلة عم نقدم صلة الأخ ؛ لأنها أنفع
فالمناهي يقدم الأخف منها ، والأوامر يقدم الأعلى منها ، ولا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير .
( ولا تعجز ) لا تقل : الشغل كثير ، فما دمت قد صممت أنه الأنفع واستعنت بالله فلا تعجز
كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعي إلى بيت عتبان ليصلي فيه
فلما وصل وجد عتبان قد صنع لهم طعامًا ولكنه لم يبدأ بالطعام بل صلى ثم جلس للطعام
فهذا دليل على أن الإنسان يبدأ بالأهم من أجل أن لا يضيع عمله سدى .
وقد يرد سؤال :
لماذا يبدأ بالطعام ؟ هل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : « لا صلاة بحضرة طعام » ؟
ج : هذا يرجع حسب حاجة الإنسان إلى الطعام
فإن كان جائعًا ؛ يقدم الطعام على الصلاة حتى لا ينشغل في صلاته ، وهذا كله يرجع إلى فقه الإنسان بالدين .
6- علاج مظهر اليأس من إصلاح النفس :
يقع فيه الكثير ، فإذا ما عاين الشرور المتراكمة والفتن ؛ تكاسل ويئس من إصلاح حاله
وربما ظن أن التغيير مستحيل ، وهذا لا يليق بالمسلم ؛ لأنه لا ييأس من روح الله
بل يكون متحريًا للفرج ، واثقًا بأن الله سيجعل بعد عسر يسرًا .
فهذا الإمام ابن حزم يقول عن نفسه :
( كانت فيّ عيوب فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم
والأفاضل من الحكماء في الأخلاق وآداب النفس حتى أعان الله عز وجل ) .
7- علاج مرض الإعجاب بالنفس :
وهو الفرح بالنفس ، وبما يصدر عنها من أقوال أو أعمال ، فمن العواقب أن يهمل مجاهدة ومحاسبة نفسه .
والعلاج :
1- التذكير بحقيقة النفس الإنسانية ، وأنها ستصير جيفة منتنة
2- التذكير بحقيقة الدنيا والآخرة
3- التذكير بنعم الله عليه
4- دوام حضور مجالس الذكر
5- الاستعانة بالله بواسطة الدعاء
8- الصبر على ألم المجاهدة :
إن الله عز وجل جعل الصبر جندًا غالبًا لا يهزم ، والصبر والنصر أخوان شقيقان
وقد مدح الله الصابرين في قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ الزمر : 10 ]
وقال : ( وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [ آل عمران : 146 ]
وقال : ( إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ البقرة : 153 ]
وقال : ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ) [ المؤمنون : 111 ]
فالصبر : خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن
قال صلى الله عليه وسلم : « وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر »
والنفس لها قوتان : قوة الإقدام ، وقوة الإحجام
فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه ، وقوة الإحجام إمساكًا عما يضره
والصبر ثلاثة أقسام : صبر على الطاعات ، وصبر عن المناهي ، وصبر على الأقضية
والصبر نوعان :
اختياري ( صبر على الطاعات وعن المعاصي ) واضطراري ( صبر على المصائب )
والاختياري أكمل ، فالإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال .
والاختياري أكمل ، فالإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال .
ويحتاج العبد إلى الصبر في ثلاثة أحوال :
- قبل الشروع في الطاعة ، وذلك بتصحيح النية
- وحين الشروع في الطاعة ، وذلك باستصحاب النية
- والثالثة بعد الفراغ من الطاعة ، وذلك في حفظها مما يبطلها
فيصبر عن العجب بها ويصبر عن نقلها من ديوان السر إلى العلانية
أما الصبر عن المعاصي ، فأعظم ما يعين عليه مفارقة الأعوان في المجالسة والمحادثة .
واعلم أن أشد أنواع الصبر ، كف الباطن عن حديث النفس ، وإنما يشتد على من تفرغ
فلا ينجيه بإذن الله إلا الأوراد المتواصلة من القراءة والصلوات
فالمقصود بحديث النفس هو حديث النفس الأمارة مع الشيطان
وهذا هو سبب عدم انشراح صدور كثير من الناس اليوم لاستسلامهم لحديث النفس
لأنه إذا استسلم لحديث النفس يلوم الغير ، ويحطم نفسه ، فيفوته خير كثير .
إذن عليه أن يجاهد نفسه بعدم الاستسلام لحديث النفس وعدم تحطيم النفس
بل يلوم نفسه على تقصيره لأن المحاسبة تثمر
بل يلوم نفسه على تقصيره لأن المحاسبة تثمر
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، وأن يقينا شرور أنفسنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
لا تنسونا من دعائكم في ظهر الغيب ، ولوالدينا وأزواجنا وذرياتنا وجميع المسلمين .
الكتاب لــ : بدرية الراجحى
* * * * * * * * * * *
انتهى الموضوع بحمد الله عزوجل
جزاكم الله خيراً على هذا الموضوع الرائع... و إن شاء الله إلى المزيد من النجاح و نشر ما يفيد الناس و يعنهم على زمن الفتن الذي نعيشه
ردحذف