إنتهينا عند الزاد الأخير الذي يحتاجه الداعية إلى الله عزوجل وكان [ التجرد + العدل + الانصاف ]
وموضوعنا اليوم حول صفات الداعية ، فترى ما هي صفات الداعية الناجح ؟! هذا ما سنعرفه في هذا الموضوع
من صفات الداعية الناجح :
1ـ التجرد وإخلاص النية لله
فكلما كان الداعية تقياً نقياً ، متجرداً في دعوته ، لا يبتغي بها وجه الله عز وجل ، كلما تقبل الله دعوته
وأعانه على أدائها ، وحبس له عليها الأجر الوفير . والإخلاص سر من أسرار الله لا يعطيه إلا لمن أحبه .
قال تعالى : ( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [ 282 : البقرة ]
2- معرفة فضل وأهمية الدعوة
فإن معرفة الداعية لفضل الدعوة ، وأجر الدعاة إلى الله ، يكون حافزاً ودافعاً للتفاني في الدعوة
وإن من أخطر الأمور ألا يعرف الداعية قيمة الجوهرة التي ينقلها ، ولا أهمية الرسالة التي يحملها .
3- الرغبة في السير بطريق الدعوة
فكلما كان الداعية محبًّا لهذه الدعوة ، راغبا للسير في طريقها ، كلما كان عمله متقناً
فلا يصلح للسير في هذا الطريق إلا من دخله بحب ورغبة ، ومن سار فيه بقناعة ووعي .
4- الموهبة
فالدعوة ليست فناً مكتسباً من الفنون التي تشيع بين الأفراد والجماعات .
ولو كانت كذلك لما عرف الناس شيئاً عن الدعوة ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم قادة الدعاة وسادتهم وبهم
وعلى أيديهم انتشرت الدعوة في آفاق الأرض ..
وهذه الموهبة لا تظهر للناس إلا بإذن ربها ، فإذا كان اختيار الله تعالى للداعية ، إذا كان نبياً مرسلاً من عنده
كان الإذن بإبلاغ الرسالة التي أمر الله تعالى بإبلاغها ، قال تعالى : ( وما كان لرسول أن ياتي بآية إلا بإذن الله )
فتظهر الموهبة ويتداعى الناس الذين تسقط الغشاوة عن قلوبهم إلليها في رجاء وصدق
أما الذين يمسكون غشاوة قلوبهم بأيديهم فإنهم يظلون في منأى عنها فالموهبة هي نعمة من الله سبحانه وتعالى
ولا تظهر إلا بإذنه وهي من أهم صفات الداعية
5-المعرفة والفقه
والمعرفة هي التي توجد القدرة لدى الداعية ليخاطب الناس بالدعوة وأن يدعو إليها
وهذا يكون تارة بالتبشير وتارة بالنذير وبهما بهث الأنبياء ووصفوا بقول الله تعالى في وصف رسله :
( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء ]
ولا يكون التبشير والغنذار إلا بالفقه الصحيح القادر على ربط قلوب الناس بهما ، وإذا نال الانبياء
هذا الوصف بالوحي فعلى الدعاة أن ينالوه بمدارسة هذا الوحي وتعلمه وأخذ نفوسهم به جملة وتفصيلاً
ولا يبلغ الداعية قلوب الناس إلا إذا كان عارفاً بالطريق السالكة إليها ، بصيراً بالسبيل التي تصله بها
وهذا العلم هو الذي يصده عن استهزاء المستهزئين به والسخرية منه ، فإنه المحفّز الوحيد للإيمان ولقهر اليأس ..
وبالعلم والتفقه يتمكن الداعية من دعوة الناس على هدى وبصيرة فبه تتضح الطريق وتستقيم الجادة
وبه تكون النصرة والتصديق لعمل الدعاة في كل زمان ومكان
6- العمل بمقتضى العلم
فالداعية لا يكون له تأثير قوي فيمن يدعوهم إلا إذا كان هو الصورة العملية لكل ما يدعو الناس إليه
من غير تفريط أو إهمال فيه ، قال تعالى : ( فاستقم كما أمرت )
فلا يكون كلامه حجة ظاهرة عليه ثم مع الأيام لا يصبح لكلامه أي تأثير في الناس
فيجد نفسه فريداً يذوي قلبه حسرات ولايقدر على شيء يواري به عيبه عن أعينهم
فقول الداعية وعمله يشتركان معاً في قلب المفاهيم والتصورات الخاطئة التي رضخ لها الناس زماناً طويلاً
قال تعالى : ( ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) [ فصلت ]
ومقتضى هذه الصفة أن لا يكتم الداعية شيئاً مما يعرف من العلم فإبلاغ العلم هو من العمل به ، قال تعالى :
( إن الذين يكتمون ماأنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك لعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )
7-الصبر والشجاعة
فالدعوة لا يحملها الجبناء العاجزون وإنما كتب الله تعالى أن يحملها الشجعان القادرون
فطريق الدعوة مليء بالمخاطر وحمل الدعوة ثقيل لايقوى عليه إلا من كان مهيأ لذلك
والصبر هو أملك وسيلة في يد الداعية يقوى بها على مواصلة حملها حتى يلقى الله تعالى ..
والصبر لا يكون لفترة وجيزة ثم ينقطع بالداعية ويحبسه الياس عن السعي إلى إبلاغ الدعوة
بل إنه يظل سلاحه حتى يتم له النصروأقوى مراتب الشجاعة ـن يصبر الداعية على الأذى حتى يقطف ثمار النصر
والصبر لا يظهر في حالة الرخاء والدّعة
وإنما في حالة الشدة والتعب وبه يكون التمييز بين الأقوياء الصادقين في الدعوة وبين الضعفاء المكذبين .
قال تعالى ( ولقد فتنا الذين من قبلكم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ العنكبوت ] .
والشجاعة في أمر الدعوة ليس كلاماً يردد على اللسان بل هو احتمال لكل بلاء يصيب الداعية
والصبر هو عنوان الداعية وهو تمحيص له وإخراج كل شائبة من قلبه وعقله لا تتفق مع طبيعة الدعوة إلى الله تعالى
وتنقية نفسه مع كل مايتعلق بها من شيء ينافي الحق الذي قامت عليه الدعوة ..
قال تعالى : ( وليمحص الله الذين آمنوا )
والصبر هو وصية الأشداء الأقوياء لأبنائهم بعد أن يكونوا قد ذاقوا حلاوة الإيمان ونالوا من لذته الشيء الكثير
لأن الدعوة ميراث يجب أن يقوم عليه الأبناء بعد الآباء من غير تفريط ولا تخاذل
8- أن يكون ذا خبرة بالمجتمع الذي يدعو الناس فيه
وما في هذا المجتمع من تيارات فكرية وعقائدية وقضايا اجتماعية
فيدعو في المجتمعات التي غلبت فيه العنوسة إلى تيسير الزواج والدعوة إلى التعدد لمن عندهم القدرة
على عكس المجتمعات التي يغلب فيها الشباب ، فيدعوهم للزواج وإنفاق من عنده القدرة من الرجال المتزوجين
على الشباب الذين لم يتزوجوا ، وهكذا يدعوا المجتمعات التي تعيش فوق خط الغنى والثراء إلى الإنفاق والبذل
ولا يدعو المجتمعات التي تعيش تحت خط الفقر إلى دفع الزكاة والصدقات ..
وبذلك يكون قد سعى إلى التوازن بين المجتمعات وتكافل بعضها بعضا
والله أعلم
ليست هناك تعليقات