أما البيت المحرم : فإن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما بنياه ، صارت ولايته في إسماعيل وذريته . ثم غلبهم عليه أخوالهم من جرهم . ولم ينازعهم بنو إسماعيل ، لقرابتهم وإعظامهم للحرمة ، أن لا يكون بها قتال . ثم إن جرهم بغوا في مكة . وظلموا من دخلها ، فرق أمرهم . فلما رأى ذلك بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ، أجمعوا على جرهم فاقتتلوا ، فغلبهم بنو بكر وغبشان ونفوهم من مكة . وكانت مكة في الجاهلية لا يقر فيها ظلم ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرج ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك . |
|
|
ثم إن غبشان - من خزاعة - وليت البيت دون بني بكر . وقريش إذ ذاك حلول وصرم ، وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة . فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك . حتى كان آخرهم حليل بن حبيشة . فتزوج قصي بن كلاب ابنته فلما عظم شرف قصي ، وكثر بنوه وماله : هلك حليل ، فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وبني بكر ، وأن قريشا رءوس آل إسماعيل وصريحهم ، فكلم رجالا من قريش وكنانة في إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه . وكان الغوث بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده . لأن أمه كانت جرهمية لا تلد . فنذرت لله إن ولدت رجلا : أن تتصدق به على الكعبة يخدمها . فولدت الغوث فكان يقوم على الكعبة مع أخواله من جرهم . فولي الإجازة بالناس ؛ لمكانه من الكعبة ، فكان إذا رفع يقول :
اللـــــــــــهم إنـــــي تــــــــابع تـــــبــــاعــــه **** إن كـــان إثــــــــمـــــا فـــعـــلــي قـــضـــاعـــه
وكانت " صوفة " تدفع بالناس من عرفة ، وتجيزهم إذا نفروا من منى . فإذا كان يوم النفر أتوا رمي الجمار ورجل من صوفة يرمي لهم ، لا يرمون حتى يرمي لهم . فكان المتعجلون يأتونه يقولون : ارم حتى نرمي . فيقول : لا والله حتى تميل الشمس . فإذا مالت الشمس رمى ورمى الناس معه . فإذا فرغوا من الرمي وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بالجانبين . فلم يجز أحد حتى يمروا ، ثم يخلون سبيل الناس . فلما انقرضوا ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من بني تميم . وكانت الإفاضة من مزدلفة في " عدوان " يتوارثونها . حتى كان آخرهم كرب بن صفوان بن جناب : الذي قام عليه الإسلام . فلما كان ذلك العام ، فعلت صوفة ما كانت تفعل ، قد عرفت العرب ذلك لهم . هو دين لهم من عهد جرهم وولاية خزاعة .
|
|
|
|
ليست هناك تعليقات