العقبة الرابعة من العقبات التى تعيق الداعية إلى الله هي عقبة عدم استواء الذم والمدح
فصارت حركاتهم كلها موقوفة على ما يوافق رضا الناس
راجيين المدح والثناء خائفين من الذم ..
فما بالنا بالدعاة إلى الله تعالى !
يزكيهم من حولهم فيعجبون بأنفسهم ويصابون بالغرور والكبرياء
أو يذمهم الناس فيصابون بالإحباط والانكسار
أو يسعون في رضى الناس في دعوتهم ، فيتملّقون ويزيغون عن الحق إرضاءً للناس في أكثر الأحيان
ليكسبون ثناء العامة من الناس ويخافون ذمهم وانتباذهم ، فيضعف خشيتهم من الله تعالى وهذا كله من المهلكات
وإنما حدثت هذه العقبة للأسباب التالية :
1- استشعار الكمال بسبب ما يقوله المدّاح :
فالأولى أن نرجع إلى أنفسنا لنحاسبها ونذّكرها بإن هذه الصفة التي يمدحونها هي من نعم الله تعالى
فإن كانت صفة تستحق المدح كالعلم والورع فينبغي أن لا نفرح بها لأن الخاتمة لا يعلمها إلا الله تعالى
فخطر الخاتمة باق ، ففي الخوف من سوء الخاتمة شغل عن كل أمور الدنيا والفرح بها
بل الدنيا دار أحزان وغموم لادار فرح وسرور ..
ثم إن كان فرحنا بهذه الصفة ( العلم والورع ) على رجاء حسن الخاتمة
فينبغي أن يكون فرحنا بفضل الله تعالى علينا بالعلم والتقوى لابمدح المادح وتزكية الناس ..
وإن كانت الصفة لا تستحق المدح كالثروة والجاه والجمال والسمعة وغيرها من أعراض الدنيا
فالفرح بها كالفرح بنبات الأرض الذي يصير على القرب هشيماً تذروه الرياح
فلا ينبغي أن يفرح المؤمن بالله لعروض الدنيا فهي عروض كما تأتي تزول ، وإن اللذة في استشعار الكمال
والكمال موجود من فضل الله تعالى لا من المدح والمدح تابع له فلا ينبغي أن نفرح بالمدح والمدح لا يزيدنا فضلاً
فربما كانت الصفة التي تمدح بها خالية عنا فيكون فرحنا غاية الجنون
2- دلالة المدح على تسخير قلب المادح وكونه سبباً لتسخير قلب آخر
فهذا يرجع إلى حب الجاه والمنزلة في القلوب ومعالجة هذا المرض تكون بقطع الطمع عن الناس
وطلب المنزلة من الله تعالى وبان نعلم أن طلبنا المنزلة في قلوب الناس وفرحنا به سقط منزلتنا عند الله تعالى
فكيف نفرح ؟؟
3- الحشمة التي اضطرت المادح إلى المدح
فينبغي أن يغمنا مدح المادح ويحزننا وأن نكره هذا المدح
وربما أن يغضبنا فلولا ستر الله تعالى لذنوبنا ومعاصينا لما مدحنا المداحون
وآفة المدح على الممدوح عظيمة
لذلك قال بعض السلف : من فرح بمدح فقد مكن الشيطان من ان يدخل بطنه
وقال بعضهم :
إذا كان قول : نَعم الرجل أنت ، أحب إليك من أن يقال لك : بئس الرجل أنت ، فأنت والله بئس الرجل ..
فإن هذا الممدوح إن كان عند الله من أهل النار فماأعظم جهله إذا فرح بمدح غيره
وإن كان من أهل الجنة فلاينبغي أن يفرح إلا بفضل الله تعالى وثنائه عليه إذ ليس أمره بيد الخلق
لذلك عليه أن يقل التفاته إلى مدح الخلق وذمهم له
وأن يسقط حبه للمدح وخوفه من الذم من قلبه ويشتغل بما يهمه من أمر دينه
إن من ذم إما أن يكون صادقاً فيما قال قاصداً للنصح لنا وبذلك علينا أن نشكره على نصحه ولا نغضب
فإنه قد أهدانا عيوبنا ، وإن لم يقصد النصح فإنه يكون قد جنى على دينه وانتفعنا بقولهم
لأنه عرّفنا مالم نكن نعرف عن أنفسنا وذكّرنا من خطايانا مانسينا وإن افترى بما نحن بريئين منه
وينبغي أن نتفكر في :
1- إن خلونا من ذلك العيب لم نخل من أمثاله
فما ستره الله عزوجل علينا من عيوبنا أكثر
فلنشكر الله تعالى أنه لم يطلع العباد على عيوبنا
( لـنـقـل : الـحـمــد لله )
2- أن ذلك كفارة لذنوبنا
3- أنه إذا الذي ذم على دينه
وتعرض لغضب الله تعالى عليه ..
فينبغي أن تسأل الله العفو عنه
كما روي أن رجلاً شجّ إبراهيم بن الأدهم
فدعا له بالمغفرة ، وقال : صِرتُ مأجور بسببه فلا أجعله معاقباً بسببي
الحالة الأولى :
أن يفرح بالمدح ويشكر المادح ويغضب من الذم ويحقد على الذّام
وهذا حال أكثر الخلق وهو غاية درجات المعصية في هذه العقبة
الحالة الثانية :
أن يمتعض في الباطن على الذّام ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافاته ويفرح باطنه ويرتاح للمادح
ولكن يحفظ ظاهره عن إظهار السرور وهذا من النقصان ولكنه بالنسبة لما قبله يعتبر كمال
الحالة الثالثة :
وهي أول درجات الكمال أن يستوي عنده ذامه ومادحه فلا تغمه المذمة ولا تسره المدحة
فالذام قد عصى الله بالذم والمادح قد أطاع الله بالمدح وإنما استثقال الذّام لذمه من الدين المحض
ولكن المؤمن العابد لو تفكّر لما استثقل المذمة ولانفر منها فإن في استثقاله وامتعاضه نصرة لنفسه ولهواه
وفي فرحته بالمادحين آفة من آفات النفس وخفايا عللها
الحالة الرابعة :
وهي الصدق في العبادة ، أن يكره المدح ويمقت المادح ، إذ يعلم أنه فتنة عليه قاصمة للظهر مضرة له في الدين
ويحب الذّام إذ يعلم أنه قد هداه عيبه وأرشده إلى سيئاته
اللهم استر علينا عيوبنا واصرف عنا من يفتنا بصلاحنا ..
ليست هناك تعليقات